الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة أهل الفن والثقافة يسحبون البساط من تحت أقدام الاعلاميين

نشر في  01 مارس 2018  (13:13)

جرت العادة والأعراف الاعلامية أن يكون الممثل والفنان والكوميدي من ضيوف البرامج التلفزية والاذاعية، حيث يعمد الاعلامي والصحفي الى محاورتهم والغوص معهم في عالمهم الخاص وتقديمهم الى الجمهور، لكن ماذا لو انعكست الآية وأصبح هؤلاء هم من يقدمون البرامج ويحاورون؟ مسألة اقتصرت بادئ الأمر على بعض الأسماء، لتتحول في السنوات الأخيرة الى ظاهرة اكتسحت تقريبا جل وسائل الاعلام ان لم نقل كلها، حيث نجد اليوم عددا هاما من أهل الفن والتمثيل يسيطرون بشكل لافت للانتباه على برامج تلفزية واذاعية، فهل بدأ الفنانون والممثلون بسحب البساط من تحت أقدام الإعلاميين، أم أن أصحاب المؤسسات الاعلامية هم من يلهثون وراء هؤلاء قصد استغلال شهرتهم بغض النظر عن أهمية التكوين الاعلامي الأكاديمي أو الخبرة؟
ظاهرة أردنا تسليط الضوء عليها، نظرا لانتشارها، فما الذي يدعو المطرب والممثل الى اقتحام عالم الاعلام... ؟ هل هو البحث عن شهرة اضافية أم خدمة لمصالحه وأعماله الفنية أم طمعا في ما يدرّه هذا النّشاط من أموال طائلة عليهم حيث يتقاضون أضعاف ما يتقضاه الاعلامي المحترف؟. ولماذا يصمت أهل الاختصاص أمام تفشي هذه الظاهرة؟

خلط للأوراق وتشويش على المفاهيم

لاحظنا كما لاحظ غيرنا أن عددا هاما من الفنانين والممثلين اخترقوا وبشكل قوي المجال الاعلامي وسطوا على البرامج الاذاعية والتلفزية، بل انّ الأدوار انقلبت أحيانا ليصبح الفنان والممثل هو من يحاور الاعلامي، خلط للأوراق خلق نوعا من التشويش في المفاهيم حيث بات البعض لا يتردد في تسمية هذا المطرب او ذاك الممثل بالاعلامي، والغريب أن بعض الاعلاميين ينعتونهم أحيانا بالزملاء.
ولعل الرغبة في استقطاب أكبر عدد من المشاهدين، وتحقيق أعلى نسب مشاهدة، دفعت بأصحاب وسائل الاعلام إلى التنافس على الفوز بأسماء معينة من المشاهير دون مراعاة لمضمون البرامج أو رغبة بعض المشاهدين في متابعة محتوى دسم صادر عن شخص متخصّص وله دراية، ودون مراعاة لمسألة في غاية الأهمية وهي أن تكون ممثلا وفنانا ناجحا ليس بالضرورة أن تكون اعلاميا هاما وقادرا على تقديم الاضافة للمشهد الاعلامي باستثناء بعض التهريج الذي اساء للمشهد أكثر مما نفعه .. فأين مبدأ التخصص في كل هذا؟
ممثلون وفنانون أضاعوا هويتهم، وابتعدوا عن عالمهم الخاص وعن كل ما هو ابداع وخلق  وغاصوا في عالم ليس بعالمهم لمزيد تحقيق الربح المادي والشهرة، وتحولوا في السنوات الأخيرة الى وجوه مستهلكة يراهم المتلقي في السينما والمسرح والدراما والبرامج الاذاعية والتلفزية، ولعل ما ساعدهم في ذلك هو كثرة وسائل الاعلام الخاصّة بعد الثورة، هذه الوسائل التي صدت أبوابها في وجوه خريجي معهد الصحافة وعلوم الاخبار والمتكونين اكاديميا في مجال السمعي البصري، بتعلة نقص التجربة الميدانية وعدم استقطابهم للمشاهد وفتحت ابوابها على مصراعيها في المقابل للكوميدين والفنانين والممثلين و«المزاودية» فاختلط الحابل بالنابل ولم يعد بامكان المشاهد والمستمع التفريق بين الاعلامي وهؤلاء ووضعوا جميعا في نفس السلّة فأصبح الشتم والسب للاعلام التونسي سمة من سمات التدوينات الفايسبوكية.

برامج مبتذلة ومحتوى رديء

وممّا زاد الطين بلّة هو تشابه المضامين الاعلامية وتكرارها في كل البرامج سواء الاذاعية منها او التلفزية، مضامين تبنى أساسا على التهريج ان لم نقل الابتذال المبالغ فيه، فغاب الابداع والتصور والخلق وحل محلها الاستنساخ والاستهال وان لم نجد الفنان والممثل يقدمان برامج تلفزية واذاعية فقد تجدهما في «الكرونيك» التي باتت «موضة» اكتسحت جل البرامج، فعلى قناة التاسعة على  سبيل المثال نجد برنامج «l’émission» الذي يقدمه الاعلامي أمين قارة والذي لا يختلف كثيرا عن برنامج «شلّة أمين» الذي يقدمه نفس الاعلامي على اذاعة موزاييك، في هذا البرنامج أو «القعدة» ـ ان صح التعبيرـ نجد الفنان الاستعراضي شمس الدين باشا والممثل عبد الحميد قياس والممثلة عزيزة بولبيار اضافة طارق بعلوش ومريم الدباغ الذين لا نرى تصنيفا لهما، هؤلاء تحولوا بفضل هذه الفرصة الى خبراء في الاعلام وفي مجالات مختلفة حيث لم نعد نستغرب أن يعطينا شمس الدين باشا قراءته للوضع السياسي، أو تتحفنا مريم الدباغ برؤيتها لمستقبل البلاد، أو أن يتهكم بعلوش بأسلوبه «الركيك» على ظواهر اجتماعية ويقيّم أعمالا فنية، ناهيك عن سقوط هذه الشلّة بطريقة مبتذلة جدا في الايحاءات الجنسية والعبارات اللأخلاقية، وعلى نفس القناة نجد لطفي العبدلي يقدّم برنامجا خاصّا به اختار له عنوان «عبدلي شو» وهو نفس العنوان الذي يتكرر تقريبا في كل الفضائيات العربية فيكفي ان تضيف كلمة «شو» الى اسمك وتقدّم برنامجا»، المزعج انّ «عبدلي شو» لا يختلف عن برنامج «لاباس» في الديكور والشكل فقط، بل حتى في المضمون والأركان، وهكذا تحول لطفي هو أيضا الى «اعلامي» يحاور الفنانين وزملائه الممثلين، وحتى الاعلاميين وكالعادة لا يخلو برنامجه من التهريج والايحاءات التي نقلها لنا العبدلي من خشبة الركح الى الشاشة الصغير، وهنا نتساءل ماذا يعوز العبدلي ليقتحم عالم الاعلامي، هل هي الشهرة؟ وهو الذي اكتسب شهرة من عمله المسرحي؟ أم هو المال؟ ولا نعتقد أنه في حاجة؟ أم تراه يريد ألا يمحى اسمه من ذاكرة الشعب، وهو الذي لم ينجز منذ سنوات سوى «ماد ان تونيزيا»

مزاودية برتبة إعلاميين

وعلى الحوار التونسي، لا يمكننا الحديث في هذا الموضوع دون أن نتطرق الى «لاباس» الذي منح الفرصة للممثلين وبعض النكرات للبروز، وتقديم مادة اعلامية ـ ان صح التعبيرـ، وان اقتصر دور الممثلين في هذا البرنامج على تقديم سكاتشات، فإن البقية الذين يعتمد عليهم نوفل الورتاني فلا نعرف صدقا من أين جاؤوا أو تكوينهم الذي يسمح لهم بتقزيم الضيوف بتلك الطريقة،وعلى نفس القناة يقدم أيضا نوفل الورتاني «أمور جدية» الذي جمع ثلة من الممثلين والدخلاء على ميدان الاعلام على غرار المنشد فوزي بن قمرة والممثل الصادق حلواس وخولة السليماني والممثلة مريم بن مامي والفكاهي وسيم الحريصي وبسام الحمراوي وكريم الغربي وبلال الميساوي وزين العابدين المستوري أشخاص لا علاقة لهم بالاعلام لا من قريب ولا من بعيد يتحفوننا اسبوعيا بمواقفهم وارائهم وتحاليلهم «الفلسفية»، ورغم كل الانتقادات الموجهة الى هذا البرنامج والتي تحول في مجملها حول الابتذال والرداءة فان الشعار الوحيد الذي يرفعه فريق «أمور جدية « فهو «مولى الدار موش هوني».. على قناة الحوار أيضا نجد مختص في سبر الأراء ونقصد حسن الزرقوني يتحول بقدرة قادر الى محلل للوضع العام للبلاد، نفس الأمر بالنسبة الى محامين تحولوا الى عناصر قارة في هذه القناة على غرار مي القصوري وشكيب درويش والقائمة طويلة.
ومن الحوار ننتقل الى قناة حنبعل حيث نجد كل من الفنان الشعبي مصطفى الدلاجي والممثلة خضرة حرب في «ديمونش حنبعل» يصولان ويجولان ويحاوران الضيوف فتراهم تارة في ركن «الكرونيك» وأخرى في جلباب الاعلامي، وهنا نستحضر كيف وصفت خضرة حرب احد الفنانين بالاعلامي مما استوجب تدخل عبد الرزاق الشابي منبها اياها بكون هذا الاخير ليس اعلاميا، ومن نوادر هذا القرن أن تقتحم «المسماة» مريم بن مولاهم هي الأخرى عالم الاعلام وتشارك حاتم بن عمارة في تقديم برنامج «توة هكا» من ناحيتنا نقول « توة يجي هكا ؟؟»...
ظاهرة لم تعد مقتصرة على القنوات الخاصة حيث انتقلت العدوى الى القناة الأم القناة الوطنية من خلال برنامج « هدرة أخرى، الذي نجد فيه جميلة الشيحي وحاتم بلحاج، برنامج لا يختلف في محتواه عن بقية البرامج التي سبق واشرنا اليها، كما نجد كوثر الباردي تقدم هي الأخرى برنامجا خاصا بالأطفال وكأن بالمرفق العمومي يتخلى هو الآخر عن دوره الرئيسي
تجارب متعددة، تحول فيها الفنان والممثل الى اعلامي يحاور وكلنا نتذكر كيف قدمت منيرة حمدي برنامج «مع منيرة» الذي تستضيف فيه زملائها الفنانين وتحاورهم على قناة تونسنا وجوه من عالم الفن والتمثيل تنتقل أيضا من اذاعة الى أخرى فنجد جعفر القاسمي ومعز التومي وجميلة الشيحي و»مهدي ار تو أم» على اذاعة اي اف ام وأمير الدريدي على راديو ماد وطارق بعلوش وميغالو ومحمد علي دمق على موزاييك وكوثر بلحاج على ديوان اف ام ونعيمة الجاني واميمة بن حفصية وبسام الحمراوي على جوهرة اف ام والقائمة تطول استسهال واستهتار بالعمل الصحفي والاعلامي وبالتنشيط التلفزي والاذاعي دون أدنى احترام لأبسط قواعد المهنة واخلاقياتها، والهدف الرئيسي لهذه المؤسسات هو تحقيق «البوز» ونسب مشاهدة عالية لا غير.

ناجي الخشناوي: على نقابة الصحفيين التدخل

حول هذا الموضوع، ذكر الصحفي ناجي الخشناوي أن هناك من أهل الثقافة والفن من اضاف الى المشهد الاعلامي، في المقابل هناك من تطفل عليه وأساء اليه، ولم يقدم أدنى اضافة لأنه يفتقر الى الحدّ الأدنى من المعرفة والثقافة خاصة في مجال الاعلام والصحافة.
واشار الخشناوي الى أن هذه الظاهرة انتشرت في القنوات الخاصة لتنتقل عدواها الى القناة العمومية التي باتت هي الأخرى تلهث وراء البوز ونسب المشاهدة .
واستشهد محدثنا ببرنامج «لطفي شو « الذي يقدمه الممثل لطفي العبدلي حيث وصف هذه المنوعة بالتهريجية، وانها تحوم في مجملها حول مقدم البرنامج لا غير .
وطالب ناجي الخشناوي نقابة الصحفيين بضرورة التدخل وتحديد المقاييس التي يقع وفقها اختيار الاعلامي والمنشط التلفزي والاذاعي، تفاديا للعمليات الممنهجة لتقزيم الاعلام والثقافة بصفة عامة .

حسام الساحلي: جعفر القاسمي أفضل من الورتاني وقارة

أما الممثل حسام الساحلي والذي سبق له وقدم برنامجا على اذاعة كاب اف ام، فذكر ان الفرق شاسع بين أن يتحول الفنان والممثل الى اعلامي وهذا جائز وبين أن يصبح صحفيا وهو ما يعجز عنه، وتحدث الساحلي عن تجربة المنشط الفرنسي «ارتير» الذي حقق نجاحا كبيرا في الاعلام رغم كونه ممثلا بالاساس، نفس الامر بالنسبة الى «ناغي» .
وأكد حسام الساحلي أن الظاهرة عادية جدا، لكن المهم أن يتمكن الفنان او الممثل من فرض عمله وان يكون مهنيا، مشيرا الى وجود عديد الاعلاميين من خريجي معهد الصحافة وعلوم الاخبار اساؤوا الى المشهد الاعلامي اكثر من غيرهم على غرار نوفل الورتاني وأمين قارة على حد تعبيره، وأن المسرحي جعفر القاسمي على سبيل المثال يعتبر أفضل منهما في التقديم وافادة المشهد الاعلامي على غرار برنامج «يد وحدة» الذي قدمه على قناة التاسعة، موضحا ان بعض البرامج التي يقدمها اهل الفن والثقافة افضل بكثير من تلك التي يقدمها اهل الاختصاص، مستشهدا ببرنامج الممثّل معز التومي على اذاعة اي اف ام، والذي يقدم على درجة عالية من الحرفية.
وذكر حسام الساحلي أن الاعلام يعاني بصفة عامة من عديد المشاكل مردها الأساسي التكالب على كعكعة الاشهار والبوز ونسب المشاهدة مقابل الغياب التام للاعلام العمومي .
اما بخصوص «الكرونيك» فذكر ان هذا الميدان اختلط فيه الحابل بالنابل، واصبح يجمع كل «الكوارث» من كل المجالات، مبينا ان برامج «التلك شو» في تونس ساهمت في بروز عديد «النكرات.

الفاهم بوكدّوس: المضمون الإعلامي هو الأهمّ

ختاما، كان لنا حديث مع الصحفي فاهم بوكدوس الذي ذكر ان ظاهرة تقديم الفنانين والممثلين لبرامج اذاعية وتلفزية هي ظاهرة منتشرة عالميا منذ سنوات وليست حكرا على تونس، وان صاحب المؤسسة هو من يختار هذا التوجه لتحقيق اعلى نسبة مشاهدة من خلال تقديم وجوه مألوفة لدى المتلقى.
وحمل بوكدوس المسؤولية الى بعض الصحفيين والاعلاميين الذين ينقصهم الابداع والخلق على حد تعبيره، مؤكدا ان المرفق العمومي يضم المئات من الأكاديمين لكنه لا يقدم مادة اعلامية مغرية للمتلقي.
وختم الفاهم بوكدوس كلامه بأن الشيء الوحيد الذي ينفع القطاع هو المضمون والمحتوى، بغض النظر عمن يقدمه، مشيرا الى انّ المضامين التي تقدّم حاليا دون المستوى المطلوب، وان المشهد الاعلامي يفتقر اليوم بشكل لافت للنظر الى البرامج الثقافية والى الصحافة الاستقصائية.

إعداد: سناء الماجري